Monday, October 26, 2009

يعمل كي لا تندثر الحرفة ويصنع من الفخار قطعا فنية



بغداد/مناف الغانم


تتقاطر حبات العرق الفضية، متراقصة من جبينه مبللة بشرته السمراء ،بينما تنشغل أنامله بتنعيم طين الفخار اللين وتطويع أطرافه ،لتنساب قطعة الفخار المشغولة بدقة من بين يديه كما يريد لها أن تكون.
يعمل علي ابو حيدر،33 سنة، صاحب ورشة لصناعة الفخار في سوق السراي، سوق شعبي في بغداد. وهو من قلة الاشخاص المتبقين الذين مازالوا يمارسون هذه المهنة الى اليوم ،التي توارثها من اباءه واجداده ،على اخراج قطع الفخار بابهى اشكالها .
فمنذ غابر الأزمنة قام صناع الفخار الفواخيرية بتلبية احتياجات الناس ،من الأواني الفخارية اللازمة لاستعمالاتهم ولاتزال الأيدي القليلة الماهرة تنتج العديد من الأواني ،من أوان وقدور وصحاف فضلا عن أوعية الشتول المنزلية وأواني الشرب اليدوية كالتنكة والحب(اواني تستخدم لشرب الماء).
وكما هي حال الشاب ابو حيدر فقد برع العديد من أهالي بغداد في صناعة الفخار، "وقد تناقلت الأجيال الحرفة أباً عن جدّ" يقول ابو حيدر والذي يشكل الشاب "الفنان" في مهنته ،يشكل الطين وفق ما يرغب بعد الضرب عليه وتركه يجف لفترة من الزمن ،ثم تأتي مرحلة العمل اليدوي الدقيق "نستخدم الآلة البسيطة التي تدار بالأرجل لتشكيل الطين وتصميم الأشكال المطلوبة".
وبعد ذلك يتم تجفيف القطع الفخارية بالكامل "وبعضها يدخل الى الفرن وهو عبارة عن غرفة يبلغ طولها قرابة 170سم ،ليحرق على درجة حرارة تفوق الألف درجة ،ليصبح فخاراً كالذي نراه اليوم" وبالتالي يكون جاهزاً ليباع في الأسواق.
"ما حل محلّ الفخار من أدوات حديثة كانت له الغلبة" ،ويشرح أن اعتماد مصنعي الفخار حالياً "هو على الفخار الصناعي كالتنور المخصص للمخابز وليس الفخار العادي الذي يصنع للاستعمال المنزلي"
ابو حيدر وهوشاب يرتدي بفخر المئزر الذي يقي قدميه من بقايا الطين ،المستخدم في صناعة الفخار المتناثر من آلته التي تعمل طول الوقت وفق رغبته.
عن مدى الاهتمام بالفخار من قبل الناس قال "هناك اهتمام بالفخار كتراث شعبي قديم لكن ليس للاستخدام الأساسي كما في السابق". ومن الأدوات التي كانت تصنع من الفخار في الماضي القدور واواني الطعام والجرار والمزهريات والحجلات والتنور وغير ذلك، وبعضها ما زال يصنع حتى الآن كما يشير "للزينة والديكور، وهي تحظى بالإقبال خاصة من السياح الاجانب الذين يأتون الى الأسواق الشعبية في السابق بهدف اقتناء هذه القطع الفخارية ،لكن سوء الوضع الامني في بغداد وعدم زيارة الاجانب اليها قل الاقبال الى حد كبير على هذه الصناعة".
ساهم التطور الذي لحق بصناعة الأدوات المنزلية في القضاء على الحرفة ،حيث حلت الأدوات البلاستيكية والمعدنية وغيرهما مكان الفخاريات فقد كان اقبال الاجانب في السابق على الفخار كما أوضح ،يدفعهم لطلب "أشكال معينة منقوشة على القطع الفخارية تمت للتراث العراقي أو لتاريخ المنطقة بصلة ."
ياسين احمد، 29 سنه،مواطن ،قال"الاواني الفخارية شي قديم وكذلك صعبة الاستخدام لنا حاليا ،بالاضافة الى ان مياهه ملوثة وهذا مانصح به الاطباء ، بالاضافة الى اننا نواكب عصر اكثر تطور وتقدم عن السابق." تعد صناعة الفخار من اشهر الصناعات التي تميز بها العراق ،فقد وفرت الطبيعة العراقية بما تضم أراضيها من ترسبات طينية ورملية ،المادة الأولية اللازمة لصناع الأواني الفخارية.
اما سناء هاشم 32 سنه،مواطنة اوضحت عن سبب قلت الاقبال عن الحاجيات الفخارية بقولها "ليس بالشي الحضاري ان استخدم الادوات والاواني الفخارية في مطبخ المنزل او لحفظ الغذاء ،فهناك البديل الافضل والاسهل في الاستعمال من الاواني البلاستيكية والمعدنية."
الفخار صناعة تقليدية تميز بها العالم وبلاد الرافدين بصورة خاصة فهي تشكل رابطآ بين انساننا المعاصر وتلك الاحقاب الطويلة الماضية من تطور الإنسان وتقدمه وتزود الباحثين بالمعلومات التاريخية عن التتابع التاريخي لحضارات الشرق وثقافات الشعوب القديمة فهي من أقدم وأبقى مآثر الإنسان الحضارية.

No comments:

Post a Comment